رغم أنه يرتدي الزي الرسمي لرجال الدين الأزهريين "الجبة والقفطان"، إلا أن الأغلبية تتعامل معه على أنه داعية عصري، فهو بشوش الوجه لطيف الكلام يبتعد عن الصرامة التي تنفر ويميل دوما إلى حلو الحديث الذي يبشر ويجذب.
عرفه كثيرون على شاشات الفضائيات قبل أن يصل إلى واحد من أكبر المناصب الدينية في مصر والعالم الإسلامي كله مفتيا للجمهورية..
ولأنه هو من بشرنا برؤية هلال شهر رمضان هذا العام فقد قلنا إنه يجب أن يكون ضيفنا على السحور في هذا العدد.
وهكذا كان اللقاء مع الدكتور "علي جمعة" مفتي الديار المصرية في مقر دار الإفتاء الذي يطل على حديقة الأزهر في الدراسة في مكتب عصري تحتل فيه شاشات الكمبيوتر المساحة الأكبر وهو ما أظهر لنا في بساطة كيف أن فضيلة المفتي له uesrname على "الياهو ماسينجير" باسم moftimasr!
عن الشات.. سألوني!
كان لازم ولابد يكون أول سؤال عن الإنترنت ولأن الشات تقريبا أصبح هو ماء وهواء مدمني الإنترنت من الشباب.. فقد كان السؤال..
من الصعب أن تجد شابا لا يتقن التعامل مع الإنترنت.. فيه سؤال يوجهه الشباب دائما حول شرعية تعرف الأولاد على بنات من خلال الإنترنت..
وما الحكم في الدردشة "الشات" بين ولد وبنت بمفردهما؟ وما حكم الدين في التواصل بين الطرفين عبر كاميرات الإنترنت؟
ابتسم "د. علي جمعة" ابتسامة تدل على أنه أجاب عن هذا السؤال أكثر من 33345237 مرة قبل ذلك، إلا أنه رغم ذلك رد علينا قائلا:
الكلام ينقسم إلى قسمين.. سواء كان هذا الكلام يتم من خلال الإنترنت أو التليفون أو لقاء شخصي ما بين اثنين من البشر سواء كانا ولدين أو بنتين أو ولدا وبنتا أو حتى بين مجموعة من الأولاد والبنات..
والشات باعتباره تواصلا بين فريقين حتى لو كان الفريق شخصا واحدا بغض النظر عن جنس هذا الفريق ولدا أو بنتا وبغض النظر عن العدد وعن البلد والدين ليس إلا شكلا من أشكال الكلام.
والكلام عموما ينقسم إلى قسمين: قسم قبيح وقسم صحيح، الفارق بينهما تحدده معايير ومقاييس نقيس بها القبيح من الصحيح.. أول هذه المعايير:
- النية.. ولد يكلم بنتا أو العكس وينوي بكلامه أن يصل إلى هدف آخر غير الظاهر من كلامه.. هنا توجد نية فاسدة ونية فيها حرام والنوايا الشريرة ممنوعة.. اسأل نفسك.. ماذا تريد من وراء الشات؟ خيرا أم شرا؟!
- المقياس الثاني.. وصف الواقع على ما هو عليه.. فهناك ما يعرف بموافقة الواقع ومخالفة الواقع، حيث يحدث كثيرا في غرف الشات أشكال كثيرة من التحايل فتجد شخصيات افتراضية وواقعا افتراضيا يخالف الواقع.. بنتا تتكلم على أنها ولد، وولدا يتكلم على أنه بنت وولدا يقول كذبا في كلامه.. هذا غير صحيح.. فالصدق صحيح والكذب غير صحيح وهي أشياء بديهية ومقررات معروفة قبل الشات وقبل الإنترنت لكننا نحييها مرة أخرى.
لكن البعض يقول إن نيته صافية وإنه لا يضمر شرا لأحد وبالتالي فلا إثم عليه؟
- وهذا هو المعيار الثالث.. المعاونة.. فمن الممكن ألا أكذب، ولكن في نفس الوقت لا أقول الصدق.. بمعنى أني أعاون على الكذب.. أعاون على شهادة الزور.. أو على تنمية الصدق أو محاربة الكذب. ربنا سبحانه وتعالي قال "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" ومعنى هذا أن هناك معاونة للبر والتقوى ومعاونة للإثم والعدوان ودعانا ربنا لأن نفعل الأولى ونترك الثانية.. كثير من الناس يقول نيتي صافية وصادقة ولم أكذب إذن أنا في الأمان.. لا.. عليك أن تقوم بالمعونة.. ومعناها أن تساعد الخير ولا تسكت عن الشر.. أنت ترى الشر أمامك.. وترى أناسا يقعون في الشر وآثاره هنا تستوجب عليك المعاونة التي تتمثل في النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. من رأى منكم منكرا فليزله، لا أشارك بالفعل أو السكوت والسلبية.
- مفهوم اللغو.. اللغو في القرآن كلمة سلبية "قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون".. من صفات المؤمنين أنهم بعيدون عن اللغو.. عندما فتش العلماء في الشريعة والقرآن والسنة عن اللغو وحكمه توصلوا إلى أن هناك لغوا مباحا لأن معظم كلامنا ليس سوى لغو، فاللغو يستحوذ على 60 % من كلامنا.. هل معنى هذا أننا طوال اليوم نعيش في حرام؟! قال العلماء هناك لغو مباح، لكن فيه بعض الكراهة وهناك اللغو غير المباح مثل الغيبة والنميمة وسب الدين الذي يعد افتراء على الله وكبيرة من الكبائر.. فاللغو المباح يتحول ويتلون حسب حالته من المكروه والحرام والكبيرة أيضا..
إذن عندما ألعب دور شطرنج هذا لغو مباح، لكن لو عطلني هذا عن أداء الصلاة فضاعت صلاة الجماعة وضاع الخشوع في الصلاة، ففي هذه الحالة هناك ظلال من ظلال الكراهة، إذا أذن للظهر ولم أصل وجاء العصر ولم أصلِّ وظللت "أشيت" فهناك حرمة لتضييع الصلاة، افرض أنه ضيع علي الدراسة حتى أصبحت لا أستوعب ولا أهتم بدراستي أو جمع المعلومات ففي هذه الحالة ارتكبت حراما.. افرض أنني بالشات لم أهتم بأن أراعي أمي المريضة ونسيت أن أعطيها الدواء في ميعاده.. في هذه الحالة أكون قد وقعت في كبيرة من الكبائر، لأن هذا عقوق الوالدين، افرض أنك من خلال الشات تستهلك كهرباء وفواتير تليفونات كبيرة ومكلفة ربما لا تستطيع تسديدها إلا بالسلف والدين.. هذا خطأ.. لابد من تحديد مفهوم اللغو وأن يتم تقنينه ولا يستولي على كل وقتك حتى لا تصبح حياتك ماسخة بلا طعم، أسهر الليل وأنام بالنهار وما يترتب على ذلك من ضرر لمذاكرتي أو لعملي أو لأسرتي..
- هناك معيار آخر، وهو مسألة الاستدراك في التمادي.. بحيث إنه من الممكن أن تحدث أخطاء بسيطة في شيء ما إلا أنني أكمل الطريق رغم وجود هذه الأخطاء... كان "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه يتميز بأنه يقف ويرجع فورا عن طريق الخطر.. وهذه نقطة مهمة جدا لأنها تفتح الباب أمام كثير من الشباب والشابات فإنه بعد أن أدرك الخطورة والخطأ وأن هذا الطريق غير سوي.. يتمادى فيه استهانة بما حدث.. من الممكن أن يكون سبب ذلك طيبة أو استمراء أو حب التعرف على المجهول وشهوة للمعرفة.. وهي نقطة مهمة جدا ينبغي أن تكون في أذهان الشباب لأنهم هم الذين سيحكمون بعد ذلك إذا كان الذي يعمله صحيحا أم خطأ من خلال الآليات التي يمكن أن يحكم بها.. بحيث لا نقول كلاما مطلقا... هذا حرام.. هذا حلال.. ويكون هذا الحكم مخالفا للواقع.. لكني أعطي له هذه الآليات ولا ينسى واحدة من هذه الضوابط. إذا توافرت مثل هذه الشروط في الشات بحيث أصبح غير مضيع للأوقات أو نية سيئة ويخلو من عدم إدارك للواقع،
إذن هو من الكلام الصحيح.
منقول